اخبار بارزةلبنان

ثقة “مريحة” لحكومة ميقاتي الثالثة.. دور النواب لم ينتهِ بعد!

كتب المحرّر السياسي:

على خطى الحكومة السريعة، مراعاةً لوضعٍ لم يحد يحتمل المماطلة والتسويف، سار مجلس النواب بين “الألغام”، لتقتصر مناقشته للبيان الوزاري، والتي تحوّلت كالعادة في بعض جوانبها، استعراضًا سياسيًّا ينطوي على “مبارزة” إعلاميّة غير مرتبطة به حصرًا، على يومٍ واحدٍ خلافًا للعادة، حيث كانت تمتدّ على يومين أو ثلاثة.
يقول البعض إنّ ذلك جاء نتيجة “إصرار” رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي طالب الكتل النيابية بحصر كلماتها، وتركها ضمن الحدّ الأدنى المُتاح، حيث يتحدّث نائب أو اثنان باسم كلّ كتلة، وإن لم يستجب الجميع، ووصل به الأمر إلى حدّ التلويح بترك الجلسة مفتوحة حتى منتصف الليل وما بعده في حال عدم الانتهاء من “الأجندة”.

لعلّ بري أراد أن يلاقي الحكومة في منتصف الطريق، فكما سرّعت في وتيرة إنجازها البيان الوزاري، سرّع في مسار منحها الثقة، التي كانت “مضمونة” سلفًا، حتى تتمكّن من مباشرة عملها بصفة رسميّة فورًا، وتنطلق في “خريطة الطريق” التي رسمتها لنفسها من خلال البيان الوزاري، الذي وُصِف بـ”الواعد”، إن قُدّر له أن يُطبَّق بطبيعة الحال.
مفارقات لا غنى عنها

رغم ذلك، لم تَخلُ جلسة البرلمان المخصّصة لمنح الحكومة الثقة من بعض المفارقات، التي يبدو أنّ لا غنى عنها، في كلّ الظروف والمناسبات، بدءًا من تجلّي المعاناة على مرأى العالم، مع انقطاع التيار الكهربائي في مستهلّ الجلسة، والاضطرار إلى الاستعانة بصهريج لتأمين انعقاد الجلسة، وسط “تضارب” في المعلومات حول مصدر المازوت “المُنقِذ”، ما دفع الأمانة العامة للبرلمان لإصدار نفي رسمي للتسريبات عن كونه “إيرانيًا”.

وإذا كانت هذه “الحادثة”، غير المألوفة ربما بمنظور ممثّلي الشعب، ولو أنّها من “يوميّات” اللبنانيين و”روتينهم” القاتِل، قد أفرحت كثيرين، ممّن تمنّوا أن يشعر المسؤولون بمعاناتهم، ولو لبرهة من الوقت، فإنّ مفارقات الجلسة الأخرى لم توحِ بشيء من هذا القبيل، مع انصراف النواب إلى هوايتهم المفضّلة، عبر توزيع المسؤوليّات يمينًا وشمالاً، وتبادل الاتهامات حول الفريق الذي أوصل البلاد إلى هذا الدرك “المأساوي”.

وبدلاً من أن تكون الجلسة “مَرِنة”، بحيث تؤسّس لمسارٍ يتطلّع إليه جميع اللبنانيين، وهم يتمنّون أن يُخرِجهم من “النفق” الذي وُجِدوا فيه عنوةً، جاءت بعض السجالات لتضيء مجدّدًا على الجرح، فهذا “رمز” للسلطة يلعب دور “المعارضة” وربما قيادتها، وذلك الذي كان ناطقًا باسمه قبل أن “ينشقّ” عنه، ارتأى أن يلعب دور “البطولة” في “التصدّي” له، وهي سجالات يُعتقَد أنّها ستتكثّف في الفترة القادمة على أعتاب الانتخابات المفترضة.
مهمّة النواب لم تنتهِ بعد

انتهت جلسة البرلمان، وحصلت الحكومة على ثقة “مريحة” وصلت إلى 85 نائبًا، فيما حجبها عنها 15، معظمهم من تكتل “الجمهورية القوية”، إضافة إلى أربعة نواب مستقلّين، وهي “ثقة” يفترض أن تكون “المفتاح” لبدء عملها الجدّي، الذي سيؤهّلها للحصول على “الثقة” الأهم، وهي “ثقة” الشعب، إضافة إلى المجتمع الدولي الذي تنتظر الحكومة مساعدته “المشروطة”، والتي سعت لضمانها عبر البرنامج الذي وضعته لنفسها.

وإذا كان النواب أوحوا مع انقضاء الجلسة، بأنّهم أدوا قسطهم للعلا، وأن دورهم انتهى بإعطائهم الثقة، ولو أنّ بعضهم سعى لتسجيل النقاط، عبر التلويح بـ”سحبها” في أيّ لحظة، إلا أنّ الأكيد أنّ مهمّتهم لم تنتهِ، لأنّه سيكون عليهم تأمين المناخات المناسبة للحكومة لتنجح في تحقيق أهدافها، وهذا يتطلب منها بادئ ذي بدء دعمها، عبر الإقلاع عن بعض ما مارسوه خلال الجلسة، والتركيز على “الإنقاذ”، بعيدًا عن كل “المشاحنات”.

صحيح أن الحكومة مؤلّفة من اختصاصيّين غير حزبيّين، وهو ما أصرّ عليه الرئيس نجيب ميقاتي منذ اليوم الأول لتكليفه، لكنّ القاصي والداني يدرك أيضًا أنّ الأحزاب هي التي سمّت، أو بالحدّ الأدنى زكّت الكثير من الوزراء، وبالتالي سيكون مطلوبًا منها “ضمان” أن لا ينعكس التشنّج السياسيّ على أداء الحكومة، لأنّ “التضامن الوزاريّ” يبقى الوصفة الأساسيّة للنجاح، ومن دونه لا إنقاذ ولا من يحزنون.

اليوم فقط بدأ “الجدّ”. لا شكّ أنّ المسؤوليات الملقاة على فريق العمل الحكوميّ “ثقيلة”، في ظلّ “ضغوط” قد لا تلعب لصالحها، من “المهلة” الضيّقة زمنيًا، إلى “التركة” الكارثيّة المتوارثة من الحكومات السابقة. لكن لا شكّ أيضًا أنّ “الفرصة” المُتاحة اليوم استثنائية، وهي تتطلّب تضافر جهود الجميع، بعيدًا عن أيّ حسابات آنيّة أخرى، ولا سيّما تلك الحسابات “الانتخابية” التي قد تطيح بكلّ ما تحقّق، إن تمّ “الخضوع” لها!
lebanon24

مقالات ذات صلة