اخبار بارزةلبنان

بين 4 آب 2020 و4 آب 2021: الإرتطام الكبير يُحاكي الإنفجار الكبير

جاء في “نداء الوطن“:

في 3 آب 2020 كان يمكن لمنظومة السلطة أن تتلافى تفجير مرفأ بيروت. كانوا يعلمون ولكنهم لم يفعلوا شيئاً. بعضهم كان على علم منذ دخول شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت في آخر العام 2013 ومنذ تفريغها في العنبر رقم 12 في العام 2014، وحتى قبل شهر أو ايام من حصول الإنفجار ولكنهم لم يفعلوا شيئاً. غطوا على الجريمة المتمادية وتركوا الإنفجار الكبير يحصل في 4 آب.

في 3 آب 2021 كان يمكن لمنظومة السلطة أيضاً أن تتلافى الإرتطام الكبير وهي تعلم بكل مكوناتها أن العد العكسي له بدأ وأن مسألة الإنفجار والإنهيار لم تعد إلا مسألة وقت ومع ذلك لم يفعلوا شيئاً. كما تركوا النيترات ينفجر يتركون البلد ينفجر. كأن لبنان كله اليوم محجوز في العنبر رقم 12. العنبر الذي يملك مفاتيحه الممسكون بعملية تأليف الحكومة. حكومة الإنقاذ لا حكومة المحاصصة. حكومة الإختصاصيين لا حكومة المحاسيب. حكومة على قياس ثورة 17 تشرين لا حكومة على قياس وزير لي ووزير لك. حكومة تحاكي تطلعات المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان الذي يلتقي اليوم بدعوة فرنسية فيما نامت نواطير لبنان عن ثعالبها. حكومة تحاكي تطلعات اللبنانيين إلى قيامة جديدة وخلاص من حكم النيترات.

أطاحت ثورة 17 تشرين بحكومة الرئيس سعد الحريري في 20 تشرين الأول 2020 وأطاح تفجير مرفأ بيروت بحكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب. منذ ذلك التاريخ ولبنان يبحث عن حكومة فيما الممسكون بالسلطة يبحثون عن إنقاذ أنفسهم حتى لو انفجر الوطن.

يعمل المحقق العدلي القاضي طارق بيطار على تحقيق العدالة والسلطة تعمل على عرقلته. لا يكفي أن يخرج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليضع نفسه بتصرف التحقيق والمحاكمة أمام المرجع المختص، ولا يكفي أن يدعو المتحصنين بالحصانات تهرّباً من التحقيق للمثول أمام المحقق العدلي، بل كان على الرئيس أن يفسر للبنانيين لماذا لم يفعل شيئاً على رغم تبلغه بأمر النيترات واحتمال انفجارها. ولا يكفي أن يخرج تماسيح السلطة للبكاء على الأطلال والوقوف في الصف لتقبل التعازي بدل أن يذهبوا للإدلاء بإفاداتهم أمام المحقق بيطار لإفادة التحقيق بدل تعطيله. ولا يكفي أن ينقل عن القاضي بيطار أنه لا خيار أمامه إلا أن ينجح في مهمته وأنه لن يخرج من المبارزة، إلا إذا أخرجته السلطة التي عينته وارتعبت عندما أراد أن يحاكمها. لا يكفي أن يبقى بيطار وحده في المعركة. هي ليست معركة القاضي وحده بل معركة كل الضحايا وأهل الضحايا وكل لبنان صار اليوم ضحايا ممزقة. ولا يكفي أن يكون هناك يوم 4 آب كبير بعد عام على 4 آب الكبير والخطير. السؤال هو ماذا عن 5 آب 2021 بعدما كان 5 آب 2020 موعداً مع كذب السلطة على الناس بوعد إنجاز التحقيق خلال خمسة أيام؟ إلى متى ستبقى مهمة القاضي بيطار معلقة ومؤجلة ومعرقلة؟ وكيف يستطيع من يلتقون اليوم في ساحة 4 آب مساعدة القاضي بيطار؟ اليوم في 4 آب 2021 تنطق الساحات بالحكم باسم الشعب قبل أن يصدر القاضي بيطار قراره الإتهامي وقبل أن يلتئم المجلس العدلي للمحاكمة من أجل أن يحكم باسم الشعب. وهو قد لا يلتئم وإذا صدر القرار الإتهامي والتأم فقد لا يتمكن من أن يحكم. الشعب اليوم يتهم قبل القاضي بيطار. فهل يستطيع القاضي أن يخرج عن مآل الإتهام؟

يحصل كل ذلك بينما الرئيس عون والرئيس ميقاتي يختلفان على جنس الحكومة والوزراء. وبينما ترفض سلطة الأمر الواقع التي سمت الرئيس سعد الحريري وبعده الرئيس ميقاتي، الإعتراف بالهزيمة أمام الشعب وأمام هول جريمة تفجير المرفأ وأمام تحقيقات القاضي بيطار. يحصل كل ذلك ولا يزال بعض من في هذه السلطة يحاول أن ينصب نفسه محققاً عدلياً بينما لا يوجد إلا محقق عدلي واحد هو طارق بيطار.

يحصل كل ذلك بينما تعلن مصادر قريبة من قصر بعبدا ان طرح مسألة اعتماد المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية، لا يستجيب للمبادرة الفرنسية التي وافقت عليها جميع الاطراف فحسب، بل كذلك يهدف الى عدم تكريس اعراف جديدة مخالفة للدستور لجهة تخصيص حقائب وزارية لطوائف محددة، ما يؤثر سلباً على الميثاقية ويضرب الشراكة الوطنية في الصميم. ولاحظت هذه المصادر ان وثيقة الوفاق الوطني التي انبثقت عن اتفاق الطائف لم تلحظ حصرية في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، بدليل انه منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف توزعت كل الطوائف على الوزارات كافة، لا سيما منها الوزارات السيادية التي لم تكن حكراً على طائفة محددة، وان ما حصل خلال السنوات الاخيرة من تخصيص حقيبة وزارية او اكثر لطائفة محددة او طائفتين، احدث حالات تتناقض ومبدأ التوازن الوطني الذي اختل وسبّب خلافات سياسية اعاقت في حالات كثيرة عمليات تشكيل الحكومات وفي احسن الاحوال تأخيرها، ومن غير الجائز ان يستمر هذا الخلل. ودعت المصادر الى العودة الى مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية كافة احقاقاً للعدالة والمساواة بين اللبنانيين وحفاظاً على الشراكة الوطنية التي هي عماد الوحدة والعيش المشترك، ما يسهل عملية تشكيل الحكومة العتيدة لمواجهة الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن. فهل هناك من يستطيع أن يكسر الحلقة المفرغة وهي ليست متعلقة بوزارة المالية فقط بل بكل التركيبة السياسية؟

يحصل كل ذلك بينما يلتقي اليوم في مؤتمر دعم لبنان رؤساء العالم من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس إلى الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيرهم، بحضور ممثل للمملكة العربية السعودية. لا يكفي أن يخصص هذا المؤتمر مساعدات لمنع موت اللبنانيين، بل أن يكون تدخل المجتمع الدولي عملية إنقاذ كاملة وشاملة تبدأ من احتضان يوم 4 آب 2021 كرد على 4 آب 2020، ومن اكتمال تحقيق القاضي طارق بيطار وسوق المجرمين إلى العدالة. قبل اكتمال هذا التحقيق تكفي قراءة مضبطة الإتهام التي أطلقتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بحق السلطة محملة إياها مسؤولية التفجير وعرقلة التحقيق.

مقالات ذات صلة