فن

Spiderhead… أدوية تجريبية تحت الاختبار

في فيلم Spiderhead (رأس العنكبوت) للمخرج جوزيف كوسينسكي على شبكة “نتفلكس”، يتطوع عدد من المحكومين للمشاركة في مشروع داخل منشأة معزولة في موقع استوائي، في مرحلة غير بعيدة من المستقبل. يخضع هؤلاء السجناء للاختبارات تحت إشراف الدكتور “أبنيستي” (كريس همسوورث) ويتلقون أدوية سلوكية تجريبية لتوثيق فاعلية كل دواء منها. يستفيد السجناء من تقصير مدة سجنهم مقابل مشاركتهم في هذا المشروع، حتى أنهم يستطيعون الاستمتاع بأسلوب حياة أكثر راحة في موقع التجارب. على غرار معظم المشاركين الآخرين، يجرّب “جيف” (مايلز تيلر) مختلف العناصر التي تنتج مشاعر تتراوح بين النشوة والرعب، فيختبر هذه الحالات النفسية المتقلّبة مع صديقته السجينة “ليزي” (جورني سموليت). لكن سرعان ما تتخذ هذه التجارب منحىً سيئاً ويتغيّر في الوقت نفسه سلوك “أبنيستي”، ما يدفع “جيف” إلى التشكيك بشخصيته التي بدت مرحة للوهلة الأولى.

لطالما أتقن كوسينسكي استخدام المؤثرات البصرية في أفلامه. بالتعاون مع مدير التصوير كلاوديو ميراندا، يقدّم المخرج مشاهد مدهشة في مختلف أعماله، لكن غالباً ما يتعثر السيناريو ويُضعِف مستوى العمل. يشمل الفيلم الجديد لقطات جيدة على مستوى التصوير، لكن يمكن نَسْب نجاحه إلى تصميم الإنتاج الممتاز تحت إشراف جيريمي هيندل، فهو يُحوّل المنشأة التي تشمل المختبر والسجن إلى تصميم وحشي على طريقة “فرانكشتاين”. إلى جانب خليطٍ لافت من التقنيات القديمة والجديدة، تنتج هذه العوامل شكلاً من التناقض بين الحقبات والعواطف.

لكن لا تسمح تلك العوامل بتطوير الحبكة أو الأفكار التي يطرحها الفيلم بطريقة سلسة. يبقى السيناريو الذي يحمل توقيع كاتبَي فيلم Deadpool (قائمة الأموات)، ريت ريز وبول ويرنيك، سطحياً بشكل عام. تشمل القصة بعض الخِدَع في العمق، وهي تُستعمل للتطرق إلى أفكار مرتبطة بمواضيع متنوعة مثل العواطف، والقوة، وظروف السجون، والهوية، والسيطرة، لكن تبدو هذه المسائل كلها بديهية ولا تقدّم أي محتوى جديد حول تلك المواضيع المألوفة. يحاول الفيلم في مطلق الأحوال أن يقدّم رسالة معيّنة، بما يفوق معظم الأفلام العابرة الأخرى، لكن لن تكون هذه الجهود كافية لمنح العمل طابعاً مميزاً.

الفيلم مقتبس من قصة قصيرة للكاتب جورج ساندرز حول أسئلة وجيهة عن تعديل المزاج وأخلاقيات الشركات. تميّزت قصة ساندرز لأنها كُتِبت بصيغة المتكلم، ما يعني أن تتّضح آثار الأدوية على مستوى اللغة لتسليط الضوء على التغيرات التي عاشها الراوي تحت تأثير كل دواء جديد. كان يُفترض أن يُنقَل هذا الجانب عبر أساليب مختلفة أو مقاربات بصرية متنوعة لاصطحاب المشاهدين إلى المساحة العاطفية نفسها، لكن صُوّرت جميع أحداث الفيلم للأسف بالطريقة المملة نفسها رغم جوانبها المنمّقة.

لكن رغم هذه الشوائب، يتّسم الفيلم بجوانب ترفيهية كافية لدفعنا إلى متابعة المشاهدة حتى النهاية. يوضح السيناريو منذ البداية أن شخصية “أبنيستي” المرحة أكثر من اللزوم تخفي جوانب مختلفة عما توحي به، لكن يتمتع همسوورث بسحرٍ فائق ويقدم دوره بمتعة واضحة لدرجة أن نتجاهل الأحداث المتوقعة ونُركّز على جاذبيته المميزة. يستعمل همسوورث كلمات علاجية مبنية على التلاعب بالعواطف وأقوالاً مأثورة يقولها معظم الخبراء في منطقة “سيليكون فالي”، فيبدو دوره امتداداً للشخصية القيادية التي قدّمها في فيلمBad Times at the El Royale (أوقات سيئة في فندق الرويال). على صعيد آخر، لا يحصل تيلر وسموليت على مواقف كافية للتعبير عن الشخصيات التي يقدّمانها، مع أنهما يستطيعان تجسيد التقلبات المزاجية التي تُسببها الأدوية التجريبية بطريقة متقنة.

يملك كل فيلم فرصة للنجاح، وهذا ما يسعى إليه المخرجون في المقام الأول، بغض النظر عن العوائق التي تقف في طريقهم. لكن يصل معظم المشاريع إلى نتيجة مريعة للأسف، أو عادية في أفضل الأحوال. وفي ظل وفرة الأعمال السينمائية في هذا العصر، يمكن اعتبار الفيلم الجديد أعلى مستوى من غيره من الناحية التقنية، حتى أنه يتميز بقوة الممثلين وجمال التصاميم ومحاولات حثيثة للتعمق في المواضيع (لكنها تبقى ركيكة). في النهاية، لا يمكن اعتبار هذا العمل مميزاً بمعنى الكلمة، فهو يفتقر إلى النواحي الجمالية التي ميّزت أعمال كوسينسكي السابقة، وهذا ما يزيد إخفاقات السيناريو الضعيف. إنها قصة ممتعة، لكن يسهل نسيانها فور الانتهاء من مشاهدتها وإيجاد خيار آخر على “نتفلكس”. مع ذلك، يبقى الفيلم أفضل من غيره بكل بساطة.

مقالات ذات صلة