علوم وتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي والتحديات البيئية… ما العلاقة بينهما؟

حددت الأمم المتحدة 17 هدفا لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم، وتتصدى هذه الأهداف للتحديات العالمية التي تواجهها البشرية، بما في ذلك المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة، ووضعت المنظمة إطارا زمنيا لتحقيق جميع هذه الأهداف اعتبارا من عام 2030.

ويمكن تصنيف هذه الأهداف ضمن 3 محاور رئيسية وهي: البيئة والاقتصاد والمجتمع.

ورغم أهمية المحاور الأخرى فإن التحدي البيئي قد يكون أخطرها وأكثرها إلحاحا، نظرا للتلوث الكبير للهواء والمياه والتربة وهي العناصر الثلاثة الرئيسية المكونة للنظام البيئي، مع ازدياد ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي يشهده العالم، والذي يهدد وجود الإنسان نفسه على هذه الأرض.

من هنا تأتي أهمية استخدام أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لمكافحة تلوث البيئة، وصولا إلى الاستدامة البيئية التي تسعى لتحقيقها الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، أوضح تقرير أعده الباحث أوين مولهيرن ونشرته مؤسسة “إيرث” (earth.org) على منصتها مؤخرا كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة في المجال البيئي.

الذكاء الاصطناعي يواجه التحديات
وقال الباحث “إن للذكاء الاصطناعي القدرة على تسريع الجهود العالمية لحماية البيئة والحفاظ على الموارد من خلال مراقبة تلوث الهواء وانبعاثات الطاقة، والمساعدة في تطوير شبكات النقل، ومراقبة إزالة الغابات، والتنبؤ بالظروف الجوية القاسية”.

وشرح “القدرات الكبيرة الكامنة في استخدام التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات للمساعدة في مكافحة التغير المناخي، حيث يمكن استخدام التعلم الآلي لتحسين طرق توليد الطاقة، وتنظيم عملية الطلب عليها، مع التركيز على استخدام الطاقة المتجددة، إضافة إلى نشر أجهزة الاستشعار والعدادات الذكية داخل المباني لجمع البيانات والمراقبة والتحليل وتحسين طرق استخدام الطاقة داخل المباني”.

وأشار الباحث إلى أهمية “استخدام الذكاء الاصطناعي في المحافظة على التنوع البيئي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المتصل بالأقمار الاصطناعية اكتشاف التغيرات في استخدام الأراضي، ومراقبة الغطاء النباتي والحرجي، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية ومراقبة وتحليل آثارها، كما يمكن مراقبة الأنواع الغريبة (الغازية) من الكائنات والتي قد تهدد منطقة بيئية محددة مثل المحميات البيئية وتحديدها وتتبعها، والقضاء عليها كلها باستخدام التعلم الآلي”.

وفي مجال تحسين نوعية الهواء، أشار الباحث إلى أنه “يمكن لأجهزة تنقية الهواء الذكية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي تسجيل جودة الهواء والبيانات البيئية لحظة بلحظة، والعمل على زيادة كفاءة المرشحات الهوائية. كما يمكن أن ترسل الأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحذيرات للأشخاص الذين يعيشون في المدن والمناطق الحضرية حول مستويات التلوث في مناطقهم. وهناك أدوات موجودة حاليا يمكنها الكشف عن مصادر التلوث بشكل سريع ودقيق، حيث يستطيع التعلم الآلي تحليل البيانات المجموعة من المركبات والطائرات، وأجهزة الرادار والكاميرات، للحد من تلوث الهواء”.

أهم ما بمشروع “تي دي إيه آي” يكمن في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات (مواقع التواصل)
الذكاء الاصطناعي لمراقبة التغيرات البيئية
وفي هذا السياق، كشفت جامعة أوهايو الأميركية على منصتها مؤخرا عن مشروع جديد هو الأول من نوعه بالولايات المتحدة، ويتمثل في بناء برج جديد يرتفع شاهقا على حافة مطار الجامعة، ولكن على عكس ما قد يتوقع الكثيرون: فلا علاقة للبرج بمراقبة حركة عشرات الطائرات القادمة والمغادرة كل يوم.

للبرج هدف آخر يختلف تماما، فهو النقطة المحورية في مشروع بحثي ضخم تجريه الجامعة يهدف إلى اكتشاف إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي ومجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار الذكية لمراقبة التغيرات والظروف البيئية المختلفة دقيقة بدقيقة وطوال الوقت.

تقول تانيا بيرجر وولف مديرة معهد تحليل البيانات المترجمة “تي دي إيه آي” (TDAI) بالولاية ورئيسة المشروع “إن الجزء الأهم من المشروع يكمن في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل وتفسير البيانات التي يتم جمعها أثناء فترة الدراسة”.

وأضافت “هذه فرصة فريدة للباحثين لدينا لفهم الظروف والعوامل المختلفة بالمناطق الحضرية، ومدى تأثيرها على البيئة كدراسة أثر انبعاثات غاز الكربون والضوضاء وتلوث الهواء، وكيف تتغير مع الوقت، وقد قمنا بتصميم نماذج خاصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لجمع وتحليل هذه المعلومات لتساعدنا على فهم التغيرات البيئية المختلفة، ومثالا على ذلك دراسة تأثير انبعاثات الطائرات على البيئة المحلية بالمنطقة”.

تم تصميم البرج وبناؤه بواسطة شبكة المرصد البيئي الوطني “نيون” (NEON) التي تملك 81 موقعا ميدانيا ثابتا تديرها وتمولها مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية في مختلف أرجاء البلاد، وتجمع هذه المواقع بيانات بيئية طويلة المدى، لفهم كيفية تغير النظم البيئية بشكل أفضل. والبرج المذكور أول موقع ميداني متنقل تستضيفه ولاية أوهايو لمدة شهرين قبل أن ينتقل لمكان آخر.

أول محطة متنقلة من نوعها
وقالت مديرة معهد “تي دي إيه آي” إن أحد الأهداف المهمة للمشروع هو “اختبار كيفية القيام بالحوسبة المتطورة اللازمة للبحث بعيدا عن استخدام أي خوادم حاسوب رئيسية”.

وأضافت “نظرا لأن هذه أول محطة متنقلة من نوعها بالبلاد فإننا نحتاج لاختبار طرق جمع البيانات، وما هي أجهزة الاستشعار التي نحتاج إلى استخدامها، والطرق التحليلية اللازمة لتفسير البيانات المجموعة”.

ويقوم الباحثون بجمع البيانات حول مجموعة متنوعة من العوامل، مثل درجة حرارة الهواء وسرعة الرياح واتجاهها والرطوبة، والتي قد تؤثر على انبعاثات الكربون، ومستويات الضوضاء والتلوث، بالإضافة إلى ذلك، ستقيس مستشعرات التربة مستويات الكربون والرطوبة ودرجة الحرارة.

وأوضحت وولف “تفسير وتحليل كل هذه البيانات هو أحد الأسباب التي تجعل الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من هذا الجهد”.

أهداف أخرى
وتتجاوز أهداف المشروع مجرد اختبار النظام الجديد، فهو سيكون بمثابة دراسة تجريبية لاثنين من المعاهد الجديدة المتخصصة بالذكاء الاصطناعي الجديدة بولاية أوهايو والتي تركز على البنية التحتية المتطورة للذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى “تي دي إيه آي” يقوم أعضاء هيئة التدريس والطلاب من معهد الاستدامة بولاية أوهايو وكليتي العلوم والهندسة بإجراء دراسات أخرى تستند إلى البيانات التي سيقدمها المشروع، وستشكل مساهمة علمية مهمة في أبحاثهم.

بالنسبة لأحد هذه المشاريع، تقول الدكتورة هيون لي -الأستاذ المساعد بمعهد الاستدامة في ولاية أوهايو- إن فريقها قام بتركيب جهاز استشعار ذكي يقيس تلوث الهواء وتحديدا “الجسيمات الدقيقة” مثل تلك التي تنتج عن عوادم السيارات والطائرات.

وقالت لي “معظم الدراسات التي بحثت في تأثيرات ملوثات الهواء على صحة الإنسان تقيس التعرض في المنازل، لكننا نحتاج أيضا لتحديد مقدار التعرض الذي يتلقاه الأشخاص أثناء تنقلهم خلال اليوم، كما هو حال حركة المرور على الطرقات وفي مكان العمل”.

باستخدام هذه المعلومات والذكاء الاصطناعي الذي سيقوم بتحليها، ترغب لي وفريقها في تقدير التأثير المحتمل للتعرض للتلوث على الصحة العامة للإنسان، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، إضافة إلى التوتر والقلق.

وتسعى لي لدمج هذه البيانات مع تلك المجموعة من مختلف أنحاء الولاية لتقديم رؤية شاملة للتلوث في المنطقة، وكيف يؤثر على الصحة العامة للبشر.

ونظرا لأن هذا أول استخدام للبرج بمنطقة حضرية، تأمل مديرة معهد “تي دي إيه آي” تأمين التمويل اللازم لنقل البرج لموقع آخر في كولومبوس بعد شهرين من مكوثه بالمطار.

وتقول “من المهم أن يكون لدينا محطة قياس بمنطقة سكنية مأهولة لأن النظم البيئية الحضرية هي المكان المثالي لدراسة التأثير المتبادل بين الإنسان والبيئة المحيطة، وحاليا لا يوجد لدينا معلومات كافية حول كيفية تأثير نشاطنا البشري على النظم الطبيعية والبيئية”.

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة