علوم وتكنولوجيا

يعادل ما تنتجه دول سنوياً.. كيف يلوث علم الفلك “يلوث البيئة”؟

تؤدي عمليات مراقبة النجوم إلى انبعاث كميات غير قليلة من ثاني أكسيد الكربون، مما يتطلب من علماء الفلك، بحسب دراسة تثير جدلاً، العمل على الحد من هذه الانبعاثات من المنشآت التي يستخدمونها في أبحاثهم، مساهمةَ منها في درء الخطر المناخي.

وهي المرة الأولى التي يسعى فيها باحثون إلى احتساب كمية غازات الدفيئة، المنبعثة من أدوات عمل ثلاثين ألف عالم فلك، ومنهاّ تلسكوبات راديوية أرضية ومسابر فضائية وروبوتات متجولة ترسل إلى الفضاء.

وتشير نتائج أوّلية للدراسة نُشرت الاثنين في مجلة “نيتشر أسترونومي” إلى أنّ النشاط الإجمالي لهذه الأدوات أنتج منذ بدء تشغيلها ما لا يقل عن 20.3 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل رصيد الكربون المسجّل سنوياً في إستونيا أو كرواتيا.

وتبلغ الكمية التي ينتجها عالم الفلك الواحد 1.2 مليون طنّ سنوياً.

وتؤكد الدراسة أنّ هذه الكمية هي تقريباً “أعلى بخمس مرات” من تلك المنبعثة من جراء رحلات علماء الفلك الجوية التي يجرونها لأسباب تتعلق بعملهم.

ويقول مدير المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، معدّ الدراسة الرئيسي يورغن كنودلسيدير، لوكالة فرانس برس إنّ “أوساط علماء الفلك تناقش حالياً الحد من انبعاثات الكربون المرتبطة بوسائل النقل وبنشاط الحواسيب الفائقة”، مضيفاً أنّ “الأمر جيّد لكنّهم لا يرون السبب الرئيسي الكامن وراء المشكلة والمتمثل بالأدوات” التي يستخدمونها في عملهم.

ولتقييم حجم هذا المسبب، أجرى الباحث عمليات تدقيق في خمسين مهمة فضائية وأربعين منشأة للمراقبة موجودة على الأرض، من بينها تلسكوب هابل ومرصد بلانك الفضائي وبعثات الاستكشاف إنسايت (المريخ)، ومسبار روزيتا (المذنب “تشوري”) وتلسكوب VLT الضخم في تشيلي…

وتتمثل الطريقة المثالية في التعاطي مع الأدوات بالأخذ في الاعتبار المواد المُستخدمة في بنائها وتكاليف تشغيلها وكميات الكهرباء التي تستهلكها.

لكنّ هذه المعطيات لم تكن غالباً متوافرة، والسبب في ذلك يعود أحياناً إلى غياب الشفافية من جانب وكالات الفضاء، على ما يوضح كنودلسيدير الذي يعمل في معهد الأبحاث المتخصص في الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب في تولوز الفرنسية.

ولملء هذه الثغرات، لجأ فريقه إلى نهج تطلق عليه تسمية “النسب المالية” وضعته وكالة التحوّل البيئي (Ademe) وجمعية رصيد الكربون (ABC)، ويرتكز على فكرة مفادها أنّ كميات الكربون المنبعثة جراء نشاط معيّن تناسبية مع تكلفته وحجمه.

وبالتالي، تشير حسابات الفريق إلى أنّ تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي تبلغ قيمته عشرة مليارات دولار، وتلسكوب “سكوير كيلوميتر أراي” الراديوي المستقبلي في جنوب أفريقيا وأستراليا سيتسببان وحدهما بانبعاث ما يعادل 300 ألف طن على الأقل من ثاني أكسيد الكربون.

ويرى يورغن كنودلسيدير ضرورة “التفكير في الحدّ من الغازات الدفيئة المنبعثة” من أدوات العلماء.

وتؤكّد أنّي هيوز، وهي إحدى معدّي الدراسة وتعمل في معهد “ماكس بلانك”، في مؤتمر صحفي أنّ”على الجميع القيام بدوره، بمن فيهم علماء الفلك الذين ليسوا في أبراجهم العاجية”.

ويقول زميلها عالم الفلك لويدجي تيبالدو “أعلم أنّ الأمر قد يمثّل صدمةً، لكن علينا كبح كميات الكربون إن أردنا خفض الانبعاثات بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030”.

ويرى رئيس الجمعية الفرنسية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، إريك لاغاديك، الذي لم يشارك في الدراسة، أنّ “علم الفلك ككل نشاط، يؤدي إلى انبعاثات كميات كربون غير قليلة،و يتمثّل بالتالي التحدّي الذي نواجهه في إبطاء عملية إنشاء البنى التحتية في ظل مواصلة سعينا للوصول إلى الحلّ المثالي”.

وكتب أندرو روس ويلسن في مقال علّق فيه على نتائج الدراسة أنّ المنهج المطروح محل نقاش كبير، إذ إنّ تقدير كميات الكربون، عبر اعتماد نهج “النسب المالية”، يولّد هامشاً كبيراً من الشك (يصل إلى 80 في المئة)، ما قد “يؤثر على صدقية النتائج”.

أما عالمة الفيزياء الفلكية فرنسواز كومب من مرصد “باريس- بي إس إل” فتقول إنّ “لجوء الباحثين إلى حسابات عشوائية ينمّ عن فشل في الحصول على تفاصيل الكميات التي تستهلكها أي منشأة”.

وتعترض العالمة كذلك على تقسيم التكلفة الإجمالية على عدد علماء الفلك، وتشدد على أنّ “المرصد يُبنى لأهداف علمية، ويقدّم فائدة لملايين الأشخاص، وبالتالي إنّ تقسيم التكلفة على العلماء يشبه تقسيم تكلفة حفل أوبرا على من يحضر فقط”.

ويؤكّد إريك لاغاديك أنّ “الطريقة المطروح قابلة للنقاش، لكنّ منهجها يمثل الخطوة الأولى التي يعود إليها في الدفع إلى التفكير” في كيفية معالجة هذه المسألة.
المصدر: فرانس برس

مقالات ذات صلة